وهذا عملهما مذ أن خلقا،وكانا متفقان دائما،إلى أن جاء
في يوم من الأيام ودب الخلاف بينهما،وهذا مالم
يتوقعه أحد،فبدأ الغرور يتسلسل إلى كليهما وبدأ
كلا منهما يمدح نفسه ويذم الآخر.
قال النهار: أنا أجمل منك لأن سمائي تظهر للناظرين
زرقاء صافية،وعروسي الشمس تضيء الدنيا،فيخرج
الورى مطمئنين من دون أي خوف يذكر،أما أنت
فبسوادك المخيف تخيفهم،فيفضل أكثرهم البقاء في
بيوتهم لكي يكونوا بخير، فلست جميلا وأيضا سماؤك
خالية من الصفاء.
رد الليل قائلا: سمائي السوداء مزينة بالنجوم ،التي
تبهر الناظرين، وتريحهم نفسيا ،فهل تظهر النجوم
الجميلة في سمائك؟ وابني القمر ينير للورى
دروبهم،من دون أن يحرقهم مثل عروسك الشمس،التي
بحرارتها تفقدهم الوعي،وتسبب السراب،وتضيق
أنفسهم منها وبخاصة في فصل الصيف.
تجهم النهار قليلا وقال: على الأقل هذه الشمس التي
تذمها،هي السبب في نمو النباتات،والتي بدورها عندما
تنمو، يأكل منها البشر فيتغذون ويظلون على قيد
الحياة،وإضافة لذلك تمنحهم الشمس فيتامين سي
الذي يفيدهم في بشرتهم،وهذا القمر الذي تمتدحه
ما هو إلا عاكس لضوء الشمس،وهو في الأصل معتم
،وفي عتمتك تظهر شرار الوحوش،فما ردك ياصديقي؟!.
تبسم الليل وهو مغتاظ مما سمع فقال: في عتمتي
الناس ينامون ويرتاحون،من الارهاق والعمل الشاق
فيشعرون في جوفي،بالنعاس ،والراحة،والخلود إلى
النوم،بينما هناك آخرون يبكون وهم يتفردون مع
الله عز وجل،يطلبون منه ماتشتهيه أنفسهم،و
يسألونه المغفرة،والرحمة،وأعالي الجنان،على
عكسك الناس يرهقون فيك ،وقلما يجدون وقتا
للراحة،فلا هدوء فيك ولا سكينة.
غضب النهار أكثر وقال:أنا عروسي الشمس عندما
ترتفع في سمائي ويميل ظل كل شيء ،فإنه يكون
وقت صلاة الضحى في تمام الساعة التاسعة أو
العاشرة،وكل من يصلي في مثل هذا الوقت وكأنما
تصدق عن كل مفصل من مفاصل جسده،والناس
عندما يعملون في جوفي،فإنهم يعملون طلبا للرزق
فأعلمهم الحركة والبركة،على عكسك تعلمهم الكسل
والخمول،والجميع في جوفي يجتمعون ويزورون
بعضهم البعض،فيظهر جمال الحياة الاجتماعية،على
عكسك يغلق كل واحد منهم بابه على نفسه.
رد الليل ساخرا: وقتي أنا هو الوقت المفضل ،لمن
يفضل العزلة لكي يتأمل،ويفكر،ويرتاح قليلا من
إزعاج المجتمع له،فتكون الانطوائية في أيام مصدر
راحته،كيف لا وأكثر العلماء والناجحين هكذا،فهم
خريجوا مدرسة الليل.
زاد غضب النهار وزاد غضب الليل،فأمسكا ببعضهما
وأوشكا على القتال،حتى ظهر البرق يتلوه الهزيم
فنزل وابل من المطر،فقال لهما المطر:كفا عن شجاركما
هذا،فقد بدوتما كالأطفال حقا،إن كلاكما فيه شيء مميز
وشيء آخر سيء،فلم يخلقكما الله عز وجل أنتما
وغيركما من المخلوقات،إلا وفيكم شيء إيجابي مميز
وشيء آخر سلبي وناقص،فكفا عن الغرور،وتصالحا
فما أجمل الحياة ،عندما نعيشها بتواضع من دون غرور
وتعجرف.
فخف الوابل من المطر حتى أصبح طل واختفى،فخجلا
مما بدرا منهما وتصالحا.
معاني الكلمات
وابل:المطر الشديد
طل:المطر الذي ينزل كقطرات الندى
الهزيم:صوت الرعد