الرئيسية
بحـث
أحدث الصور
التسجيل
دخول
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام المبعوث للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
في هذه الأيام كثر إيراد الشبه على أهل السنة وخصوصا أهل الحديث ، وذهب فئام من أصحاب الفكر التجديدي الى محاولة لاسقاط كثير من السنن المروية لأسباب يرونها تدل على أن أهل الحديث ليسوا بتلك الأمانة التي كنا نظنها و ذهبوا يعددون بعض التجاوزات التي حدثت من أفراد بعض أهل الحديث لمحاولة إلباسها على بقيتهم ،و لا ننكر أن هناك تجاوزات حدثت من بعض المحديثن و مردها لكثير من الأسباب .و من أهما تدليس بعض الاسماء أو عدم الرواية عن أهل الرأي و محاولة اسقاطهم لأنهم مخالفون لهم في المنهج أو الاهتمام بالحديث و روايته عن القرآن الكريم و تفسيره الى
غير ذلك من الأسباب ،و في هذا الموضوع ان شاء الله سأناقش هاته النقاط الثلاث بشكل موضوعي و دون ذكر للأشخاص حتى لا يتسبب ذلك في تنفير القراء الذين يميلون الى هذا الرأي و لبس عليهم الملبسون و إحسانا للظن بهم أنهم ليسوا متبعين لإهوائهم أو مقلدون في دينهم .
و أنا لا أدعي بأنني سأناقش كل نقطة بجميع تفرعاتها لأن هذا يحتاج الى وقت طويل و الى بحث كثير و لكن سأناقش أهم النقاط التي تعتبر كلية في هذا الباب لأن الجزئيات تذهب بذهاب الكليات التي تندرج تحتها .وقبل الدخول في الموضوع هناك نقاط يجب على طالب الحق و المخلص في البحث أن يكون مطلعا عليها حتى يستطيع الحكم على هاته الشبه بأنها موضوعية أو صحيحة أو أنها شبهات صحيحة، و من أهمها ما يلي:
1-هؤلاء القوم و المعروفون بأهل الحديث لهم كتب تشرح منهجهم و طريقة روايتهم للأحاديث فهل قرأت- يا أخي الكريم من قبل قبول شبهات غيرهم عليهم- الكتب التي تعني بمصطلح أهل الحديث ؟
هل تعلم ما هو مصطلح الحديث ؟ وهل تعلم بأن هناك كتب للمحدثين تعنى بالعلم النظري وتسمى كتب المصطلح؟ وهل تعلم بأن هناك كتب تعنى بالجانب التطبيقي تسمى كتب العلل؟
هل تعلم أخي الباحث عن الحق أن هناك كتب تعنى بتأريخ دخول المحديث لبلدان ما و لقائهم لبعض والمحدثيون الذين بإمكانهم لقاء بعضهم و من لم يلتقوا مع بعض مرتبة على سنوات لكشف التدليس والانقطاع و تسمى كتب التاريخ و الطبقات؟
هل تعلم بأن هناك كتب تعنى بالمؤتلف و المختلف ؟و كتب تعنى بالكنى ؟ وكتب تعنى بطبقات المدلسين و أخرى بالضعفاء و أخرى بالثقات و من ّإختلط بآخر عمره و كتب بمن صح كتابه وضعف حفظه وكتب و كتب ووووالخ؟
هل اطلعت أخي الكريم على الأقل على كتاب من كل نوع حتى تحكم على علم بأنه خطأ ؟ إن كانت الإجابة بلا فهذا يدل على عدم انصافك و أنا أدعوك على الأقل بمطالعة كتاب أو كتابين مختصرين في كل فن حتى تفهم الشبه و لا تناقش الردود بعصبية و أنت تحمل في طيات نفسك قناعة بأن مهما أظهر لي المناقشون بطلان هاته الشبه فأنا لا أرجع عن رأيي لأنه أثق بأن من وضعها يعلم الرد عليها لأن هذا يسمى بالتعصب المذموم.
-
و من أهم هذه الشبه في رأيي هي دعوى إخفاء أهل الحديث لبعض الأحاديث أو بعض الأحداث خدمة لمذهب سائد أو رأي منتشر. و قبل الاجابة عليها هناك سؤال يتحتم علينا طرحه وهو : هل كل المحدثين على رأي واحد؟هل هناك رواة من مذاهب و مناهج غير مذهب أهل الحديث و مذهبهم في العقيدة؟
و بطريقة أبسط هل هناك محدثون عقيدتهم تخالف ما عليه أكثر أهل الحديث؟ إن كنت لا تعلم الإجابة يا أخي الكريم فالسبب لأنك لم تقرأ الكتب التي أشرت اليها، والجواب :نعم هناك محدثون ليسوا على نفس عقيدة و منهج أهل الحديث، وهل هم قلة؟بل بالعكس هم كثر،فوجود أمثال هؤلاء يبطل دعوى إخفاء أهل الحديث لبعض الاحاديث أو الأحداث فكيف يخفي ثقات الشيعة من المحدثين ما يذم معاوية مثلا؟ وفيهم من حاربه مع علي و فيهم من حارب ضد أمراء بني أمية بعده. و خصوصا في العهد العباسي إن سلمنا بدعوى الخوف فلم لم يحدثوا بها بعد ذهاب دولة بني أمية؟ و مثل ذلك أيضا يقال في بقية المحدثين من القدرية كقتادة التابعي و كعكرمة من اتهم بمذهب الخوارج و أبي الجعد و عبد الرزاق الصنعاني و الحاكم النيسابوري والبيهقي و كلهم ثقات و روايتهم مقبولة عند أهل الحديث؟ وّإن قلت بأن هناك بعض أهل الحديث امتنع عن الرواية عن أهل الأهواء أقول نعم لكن هناك غيرهم كثر من أجازها عن غير الرافضة لأن من دينهم جواز الكذب و التقية و روى عن جميعهم مع عدم الإلتفات الى رأيهم ان اتصفوا بالصدق و الأمانة.
فخلاصة القول إذا أخفى أحد شيئا بسبب الخوف أو المذهب فغيره بالمئات يروونه، و كيف علمنا بوجود هذا المخفي إن لم يروه غير من أخفاه؟ و أكثر ما أخفي يرويه من أخفاه في موضع آخر و هذا معروف ولله الحمد.
والقول بأن المحدثين يضعفون كل من خالفهم في المذهب فهذا من أظهر الكذب و لن يصدقه أحد أن اطلع على اصغر الكتب المذكورة في الأعلى . فهناك محدثون ثقات من النواصب ومن وثقهم ؟ وثقهم النسائي و هو متهم بالتشيع(و التشيع في عرف المتقدمين ليس كتشيع زماننا كما هو معلوم)
وكم من شيعي وثقه الجوزجاني و هو متهم بالنصب؟ و الرواة الخوارج من أصدق المحدثين و أكثرهم أمانة كما هو معلوم.ومن أخبرنا بهذا كله ؟ أهل الحديث . فإذا دل هذا على شيئ فإنما يدل على أمانة القوم وبعدهم عن الحكم على الرواة بسبب مذهبهم و رأيهم.
2-و هناك شبهة أخرى و هي أن أهل الحديث لا يروون عن أهل الرأي .
قبل الكلام على هذه النقطة لا بد أن نعرف من هم أهل الرأي و لم يسمون بذلك؟
أهل الرأي هم جماعة من أهل الكوفة كانوا يعتمدون على استخراج الأحكام بالاعتماد على القياس ، و الاجتهاد بناء على الاستحسان و غيره من قواعدهم ،و السبب في ذلك هو عدم انتشار الأحاديث النبوية في ذلك الوقت لقلة الصحابة في تلك المنطقة عكس الحجاز و بقية الامصار التي انتشر فيها الصحابة.و أشهر من اشتهر به هو أبو حنيفة و صاحباه محمد و أبو يوسف. و يغلب الضعف في أهل الرأي نظرا لاهتمامهم بالفقه المستنبط من الآثار مع أن أحاديث منطقة نفوذ أهل الرأي إن صح التعبير موجودة عند بلدييهم من أهل الحديث كسفيان الثوري و ابن المبارك.
فبهذا التعريف يمكن للفطن أن يستنتج سبب عدم اكثار الرواية عليهم ،هذا السبب هو قلة حديثهم المسند ، وحتى لا يقول قائل ولم لم يحدث المحدثون بهذا الحديث القليل؟ أقول قد فعلوا و من أشهرهم مالك و الشافعي .و هناك نقطة تكسر كل ما تقدم من هذه الشبهة وهي أن من أشهر نقاد الحديث و أكثرهم علما ومعرفة بالرجال يعد من أهل الرأي ،هل كنت تعلم يا من تصدق هذه الشبه بهذا؟ طبعا لا ، والسبب لأنك لم تقرأ كتب القوم التي ذكرتها أعلاه ،هذا الرجل هو يحيى ابن معين إمام النقاد في وقته ،ففي وقته كان هو و أحمد و ابن المديني أعلم من يتكلم في هذا الشأن .وهو كما ترى من أهل الرأي،و هل تعلم برجل اسمه أبو جعفر الطحاوي؟ هو محدث حنفي المذهب و كتابيه (شرح معنى الآثار) و (مشكل الآثار) جمع فيهما تقريبا كل ما يدل على مذهب أهل الرأي .
فبعد هذا الكلام هل بقي عندك شك أخي الكريم في عدم رواية أهل الحديث عن أهل الرأي ؟ .
3-الشبهة الثالثة : عدم اهتمام أهل الحديث بالقرآان و فهم معانيه.
هذه الشبهة في الحقيقة تعد من أغبى الشبه و هي تدل على أن ملقيها إما لم يقرأ كتب المحدثين أو لم يقرأ كتب التفسير ؟أو ليس صادقا في نقله؟
كيف علم هذا الانسان بأن أهل الحديث لم يكونوا يتدارسون القرآن و يعتنون به؟ هل كان معاصرا لهم ؟ و ليس واجبا أن نثبت خطأ هذا الطعن بل هو المطالب بإثبات هذا الافتراء بالأدلة لأن عدم العلم بالشيئ لا يعني عدمه؟ وكيف يكون الجهل بالشيئ دليل على وقوع ضده؟
ولكن من باب التنازل في المسألة نفرض بأننا ملزمون بدفع هذه الشبهة . هل هناك كتب للتفسير أصحابها محدثون؟ لنرى ذلك ...و لنعلم مدى صدق ملقي هاته الشبه.
من أشهر مفسري التابعين ؟ أليس مجاهد و ابن جبير وعكرمة؟ فهؤلاء من أهل الحديث و رواته و بإمكان القارئ أن يبحث عن غيرهم في التابعين وكلهم رواة حديث.
ثم بعدهم تقريبا كل المؤلفين في السنن كالبخاري ومسلم و أبي داوود و النسائي و الترمذي و ابن ماجة و غيرهم لديهم جزء في كتبهم اسمه كتاب التفسير .
ثم لنزيد من تعميق الجرح من هم أشهر المفسرين؟ كل من لديه أدنى فكرة في علم التفسير سيقول لك ابن جرير الطبري و البغوي وابن كثير و ابن أبي حاتم .والى أي مدرسة ينتمي هؤلاء؟اليسوا من أصحاب الحديث؟ و غيرهم كثير وكثير .
فهل يا أخي القارئ لديك شك في اعتناء المحدثين بكتاب الله ؟ وهل تعلم بأن أكثر المحدثين يتوقفون عن الرواية في رمضان تماما للتفرغ لكتاب الله تعالى؟
وشيئ آخر لماذا سمي أهل الحديث بهذا الاسم ؟ الجواب البسيط هو :لأن اختصاصهم في الشريعة هو الحديث كما اختص النحويون بالنحو و الفقهاء بالفقه و الاصوليون بالاصول ،فلم اتهم أصحاب الحديث بعدم الاهتمام بالقرآن بسبب اهتمامهم بالحديث وكثرة مؤلفاتهم فيه؟لماذا لم يتهم النحويون بهجر القرآن و السنة و اشتغالهم بالنحو؟ وكذلك يقال عن الاصوليين و الفقهاء. فليس معنى أن يهتم صنف من الناس بعلم من العلوم أنهم هجروا القرآن.
هذا اختصارا لما بدى لي مهما نقاشه مع الإخوة و من له زيادة فليتفضل بها و من عنده قاعدة كلية تحتاج للتوضيح (ولا يأتي بمفردات ) فسنتعاون كلنا إن شاء الله بالبحث في كلام العلماء عن الأجوبة اللازمة فبالمعونة تتفتح ابواب لا تفتح الا بها بعد توفيق الله جل وعلا.
ونصيحة أخوية لجميع الإخوة المتأثرين بهذه المناهج راجع كل ما يقوله أصحاب هذا المنهج و راجع من انتقد كلامهم فإن وجدت صاحب هذه الشبهات ينقل كذبات و أخطاء فتأكد بأنه كذاب ،فمن يأتيك بكلام للعلماء من أصعب المراجع و أكثرها ندرة و يستخرج منها روايات تخفي على كثير من النقاد لا يمكن اعتبار خطئه خطئا و خاصة إن تكرر و خاصة خاصة إن أجاب العلماء قبله عن هذه الشبهات و خاصة خاصة خاصة ان وجدت شبهة أجاب عنها صاحب الرواية مثلا بعدها مباشرة فهنا لا يقال بأن الجواب غاب عنه بل يقال هو تعمد إخفائه .والله أعلم و صل اللهم و سلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله و صحبه أجمعين .والحمد لله رب العالمين .
كتبه أخوكم أبو عبد الأكرم.
. 